منذ ساعات

الملف الصحفي

التزاماتنا بالهجري وحقوقنا بالميلادي ... أين العدالة؟!

جريدة الاقتصادية الأربعاء, 26 شعبان 1429 هـ الموافق 27/08/2008 م - العدد 5434

التزاماتنا بالهجري وحقوقنا بالميلادي ... أين العدالة؟!

د. عبد العزيز الغدير -
حسب علمي لا توجد دولة في العالم تستخدم تقويمين في المعاملات المالية كما هو الوضع لدينا حيث نستخدم التقويمين الهجري والميلادي جنبا إلى جنب بطريقة تفتقد أبسط مبادئ العدالة, حيث يتسلم الضعيف (في أي طرفي معاملة مالية) حقوقه بالتقويم الميلادي ويدفع التزاماته للطرف الأقوى بالتقويم الهجري (وكلنا يعلم أن السنة الميلادية تزيد على السنة الهجرية 11 يوما تقريبا), أي ما يزيد على ثلث شهر, وهو ما يساوي أكثر من شهر كل ثلاث سنوات, وكلنا يعلم قيمة الشهر المالية, خصوصا إذا كانت الحسبة بالملايين أو مئات الملايين.
الزمن (ساعة/ يوم/ شهر/ سنة) له قيمة مالية ومن الظلم أن نتعامل بزمنين, شهر هجري وآخر ميلادي, سنة هجرية وأخرى ميلادية, وللطرف القوي الحق في فرض أي زمن يستخدم أمام الطرف الضعيف, ومن أمثلة ذلك حساب رواتب معظم إن لم يكن كل موظفي القطاع الخاص بالميلادي في حين يدفعون التزاماتهم بالهجري من إيجارات وأقساط وفواتير كهرباء وهاتف وجوال إلى غير ذلك من الالتزامات, بل إن الأمر يتعدى الدفع إلى الضمان حيث تحسبه كثير من الشركات بالهجري لأنه يوفر لها أياما أو شهورا حسب مدة الضمان.
من أهم المشكلات التي تواجه المواطن والمقيم في بلادنا حساب الرواتب بالميلادي والإيجارات بالهجري, وهو ما جعل الموظفين في مشكلة حيث لا يستطيعون ربط إيراداتهم السنوية بالتزاماتهم السنوية أيضا, فالشهور الهجرية تدور على الشهور الميلادية لصالح المؤجر ليحقق المزيد من الإيرادات على حساب المستأجر الطرف الأضعف.
فيما مضى من السنوات كان الجواز السعودي بتاريخي انتهاء أحدهما ميلادي والآخر هجري, ولقد اجتاز مواطن سعودي منفذ جوازات دولة خليجية مجاورة لأن جوازه صالح بالميلادي ولم يتجاوز منفذ الجوازات السعودي لأن الجواز غير صالح هجريا, الجوازات بفضل من الله ثم جهود القائمين عليها تجاوزت تلك المشكلة وجعلت تاريخ الانتهاء واحدا, وهذا حل جيد, لكن ماذا بشأن الحالات الأخرى؟
الدين الإسلامي دين ييسر الحياة ويجعلها أكثر سهولة وأمنا, حيث ينظم العلاقة بين جميع الأطراف بعدالة إلهية, والتقويم الهجري مرتبط بتاريخنا الإسلامي حيث هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة, وجميعنا يحترم هذا التقويم لارتباطه بهذه المناسبة العزيزة علينا جميعا, ومن الظلم أن نجعل من هذه المناسبة الجميلة إشكالا بدل أن تكون حلا, نعم من الظلم أن يرتبط التقويم الهجري الذي يربطنا بهجرة نبينا المصطفى بمعاناة لسلب حقوقنا بطريقة ذكية قد تكون نظامية لكنها بالتأكيد لا أخلاقية.
أحد الأصدقاء يقول حاولت مع المكتب العقاري أن يجعل عقد الإيجار حسب التقويم الميلادي حيث أوضحت له أنني أعمل في القطاع الخاص وأتسلم أجري حسب التقويم الميلادي ولكنه رفع في وجهي راية الإسلام قائلا نحن نتبع التقويم الإسلامي وما علينا من يتبع تاريخ الفرنجة! ويقول صاحبي هذا لو أن الأمر ضده لأتبع تقويم الشياطين في سبيل تحقيق مكاسب مالية على حسابي, مضيفا أنه علم فيما بعد أنه يدفع رواتب العاملين لديه بالميلادي كما هو حال معظم منشآت القطاع الخاص لتوفير ثلث راتب سنويا من رواتب الموظفين.
ولكي أوضح لكم معنى ثلث راتب سنويا لنأخذ لغة الأرقام, لو أن مالك عقارات دخله السنوي عشرة ملايين ريال حسب التقويم الهجري سيفقد أكثر 270 ألف ريال من الإيرادات سنويا لو استخدم التقويم الميلادي بدلا من الهجري, ولو أن مجموع رواتب شركته مليونا ريال ستدفع أكثر من 54 ألف ريال سنويا زيادة لو أنها استخدمت التقويم الهجري بدل الميلادي, وهذا يعني ببساطة تحقيق مكاسب تصل إلى 324 ألف ريال تقريبا من خلال استخدام التقويمين لصالحه على حساب الطرف الأضعف, ولو زادت الأرقام لزاد الفرق بشكل كبير جدا, ولا شك أنها أكثر بكثير من ذلك حيث تصل لدى البعض إلى المليارات سنويا
والسؤال: لماذا تقويمان في بلد؟ وإذا كان التقويم الهجري هو التقويم المعتمد لحساب الأشهر والسنوات في بلادنا العزيزة, فما الجهة المسؤولة عن مراقبة هذا التلاعب غير المخفي بتاتا؟ وما الجهة التي تنصف الطرف الأضعف في كل معاملة كانت؟ وما الجهة التي تحمي موروثنا التاريخي من المواقف السلبية؟ نعم كلنا ينظر اليوم إلى التقويم الهجري كإشكالية وليس حلا, فمن يعكس المعادلة ليكون حلا لا إشكالية؟
أعتقد أنه حان الوقت لكي نكون أكثر عمليا ونعتمد تقويما واحدا في الحصول على حقوقنا وفي دفع التزاماتنا, ولا شك أن ترك هذه المسألة للضمير الإنساني لن يحلها بحال من الأحوال, فالإنسان يتبع مصلحته في غياب الرقابة والمساءلة, وعلينا أن نحدد الجهة المسؤولة عن تنظيم هذه العملية وعن مساءلة المتلاعبين من أجل العدالة التي قامت عليها السموات والأرض, وكلنا أمل في لجان حقوق الإنسان أن تقوم بدورها في معالجة هذه الإشكالية التقويمية المالية التي يعانيها معظمنا.

توجيه سامٍ للوزارات والقطاعات الحكومية والأهلية بالتقيد باستعمال التاريخ الهجري
السعودية تسمح للقطاع الحكومي باستخدام التاريخ الميلادي في عقوده مع القطاع الخاص
وافق على استخدام التاريخ الميلادي في عقود المساندة الفنية والخدمات الاستشارية
التأكيد على استخدام التاريخ الهجري في الإجراءات الرسمية